فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَصَلَوَاتٌ} قال الزجاج والحسن: هي كنائس اليهود؛ وهي بالعبرانية صَلُوتا. وقال أبو عبيدة: الصلوات بيوت تبنى للنصارى في البراري يصلون فيها في أسفارهم، تسمّى صلوتا فعرّبت فقيل صلوات.
وفي {صلوات} تسع قراءات ذكرها ابن عطية: {صُلْوات} {صَلْوات} {صِلْوات} {صُلُولى} على وزن فعولى، {صُلُوب} بالباء بواحدة جمع صليب، {صُلُوث} بالثاء المثلثة على وزن فُعول، {صُلُوات} بضم الصاد واللام وألف بعد الواو، {صُلُوثا} بضم الصاد واللام وقصر الألف بعد الثاء المثلثة، {صِلْوِيثَا} بكسر الصاد وإسكان اللام وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء منقوطة بثلاث بعدها ألف.
وذكر النحاس: وروى عن عاصم الجَحْدَرِيّ أنه قرأ {وصلوب}.
وروي عن الضحاك {وَصلُوث} بالثاء معجمة بثلاث؛ ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها.
قلت: فعلى هذا تجيء هنا اثني عشر قراءات.
وقال ابن عباس: الصلوات الَكِنائس.
أبو العالية: الصلوات مساجد الصابئين.
ابن زيد: هي صلوات المسلمين تنقطع إذا دخل عليهم العدوّ وتهدم المساجد؛ فعلى هذا استعير الهدم للصلوات من حيث تُعَطل، أو أراد موضع صلوات فحذف المضاف.
وعلى قول ابن عباس والزجاج وغيرِهم يكون الهدم حقيقة.
وقال الحسن: هدم الصلوات تركها.
قُطْرُب: هي الصوامع الصغار ولم يسمع لها واحد.
وذهب خَصِيف إلى أن القصد بهذه الأسماء تقسيم متعبدات الأمم.
فالصوامع للرهبان، والبِيَع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين.
قال ابن عطية: والأظهر أنها قصد بها المبالغة في ذكر المتعبَّدات.
وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها، إلا البِيعة فإنها مختصة بالنصارى في لغة العرب.
ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر.
ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما يجب حمايته، ولا يوجد ذكر الله إلا عند أهل الشرائع.
وقال النحاس: {يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللَّهِ} الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر أن يكون {يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللَّهِ} عائدًا على المساجد لا على غيرها؛ لأن الضمير يليها.
ويجوز أن يعود على {صوامع} وما بعدها؛ ويكون المعنى وقت شرائعهم وإقامتهم الحق.
السابعة: فإن قيل: لِم قدّمت مساجد أهل الذمّة ومصلّياتهم على مساجد المسلمين؟ قيل: لأنها أقدم بناء.
وقيل لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر؛ كما أخر السابق في قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات} [فاطر: 32].
الثامنة: قوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ} أي من ينصر دينَه ونبيَّه.
{إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} أي قادر.
قال الخطابيّ: القَوِيّ يكون بمعنى القادر، ومن قَوِي على شيء فقد قدر عليه.
{عَزِيزٌ} أي جليل شريف؛ قاله الزجاج.
وقيل الممتنع الذي لا يرام؛ وقد بيناهما في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور (41)}.
قال الزجاج: {الذين} في موضع نصب رَدًّا على من، يعني في قوله: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ}.
وقال غيره: {الذِين} في موضع خفض ردًّا على قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ}، ويكون {الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض} أربعةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأرض غيرهم.
وقال ابن عباس: المراد المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان.
وقال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال عِكرمة: هم أهل الصلوات الخمس.
وقال الحسن وأبو العالية: هم هذه الأمة إذا فتح الله عليهم أقاموا الصلاة.
وقال ابن أبي نجِيح: يعني الولاة.
وقال الضحاك: هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الملك؛ وهذا حسن.
قال سهل بن عبد الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه.
وليس على الناس أن يأمروا السلطان؛ لأن ذلك لازم له واجب عليه، ولا يأمروا العلماء فإن الحجة قد وجبت عليهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.
الهدم: معروف وهو نقض ما بُني.
قال الشاعر:
وكل بيت وإن طالت إقامته ** على دعائمه لابد مهدوم

الصومعة: موضع العبادة وزنها فعولة، وهي بناء مرتفع منفرد حديد الأعلى، والأصمع من الرجال الحديد القول، وكانت قبل الإسلام مختصة برهبان النصارى وبعبّاد الصابئين، قاله قتادة ثم استعمل في مئذنة المسلمين.
البيع: كنائس النصارى واحدها بيعة.
وقيل: كنائس اليهود.
البئر: من بأرت أي حفرت، وهي مؤنثة على وزن فعل بمعنى مفعول، وقد تذكر على معنى القليب.
تعطيل الشيء: إبطال منافعه.
{إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوّان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيَع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلَكِناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد}.
روى أن المؤمنين لما كثروا بمكة أذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنة من الكفار ويحتال ويغدر، فنزلت إلى قوله: {كفور} وعد فيها بالمدافعة ونهى عن الخيانة، وخص المؤمنين بالدفع عنهم والنصرة لهم، وعلل ذلك بأنه لا يحب أعداءهم الخائنين الله والرسول الكافرين نعمه.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج، وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وآذوا من كان بمكة من المؤمنين، أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة المؤمنين بدفعه تعالى عنهم ومشيرة إلى نصرهم وإذنه لهم في القتال وتمكينهم في الأرض يردهم إلى ديارهم وفتح مكة، وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى وقال تعالى: {والعاقبة للمتقين} وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع {يدافع} ولولا دفاع الله.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير يدفع {ولولا دفع} وقرأ الكوفيون وابن عامر {يدافع} {ولولا دفع} وفاعل هنا بمعنى المجرد نحو جاوزت وجزت. وقال الأخفش: دفع أكثر من دافع. وحكى الزهراوي أن دفاعًا مصدر دفع كحسب حسابًا. وقال ابن عطية: يحسن {يدافع} لأنه قد عنّ للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته، ودفعه مدافعة عنهم انتهى.
يعني فيكون فاعل لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظًا والاشتراك فيهما معنى. وقال الزمخشري: ومن قرأ {يدافع} فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ انتهى.
ولم يذكر تعالى ما يدفعه عنهم ليكون أفخم وأعظم وأعم ولما هاجر المؤمنون إلى المدينة أذن الله لهم في القتال.
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو بضم همزة {أُذن} وفتح باقي السبعة. وقرأ نافع وابن عامر وحفص {يقاتلون} بفتح التاء والباقون بكسرها، والمأذون فيه محذوف أي في القتال لدلالة {يقاتلون} عليه وعلل للإذن {بأنهم ظلموا} كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج، فيقول لهم: «اصبروا فإني لم أومر بالقتال» حتى هاجر وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نُهي عنه في نيف وسبعين آية.
وقيل: نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن لهم في مقاتلتهم.
{وإن الله على نصرهم لقدير} وعد بالنصر والإخبار بكونه يدفع عنهم {الذين أخرجوا} في موضع جر نعت للذين، أو بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع على إضمارهم.
و{إلا أن يقولوا} استثناء منقطع فإن {يقولوا} في موضع نصب لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل عليه، فهو مقدر بلَكِن من حيث المعنى لأنك لو قلت {الذين أخرجوا من ديارهم} {إلا أن يقولوا ربنا الله} لم يصح بخلاف ما في الدار أحد إلاّ حمار، فإن الاستثناء منقطع ويمكن أن يتوجه عليه العامل فتقول: ما في الدار إلاّ حمار فهذا يجوز فيه النصب والرفع النصب للحجاز والرفع لتميم بخلاف مثل هذا فالعرب مجمعون على نصبه.
وأجاز أبو إسحاق فيه الجر على البدل واتّبعه الزمخشري فقال: {أن يقولوا} في محل الجر على الإبدال من {حق} أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتبشير، ومثله {هل تنقمون منا إلاّ أن آمنا} انتهى.
وما أجازاه من البدل لا يجوز لأن البدل لا يكون إلاّ إذا سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي، نحو: ما قام أحد إلاّ زيد، ولا يضرب أحد إلاّ زيد، وهل يضرب أحد إلاّ زيد، وأما إذا كان الكلام موجبًا أو أمرًا فلا يجوز البدل: لا يقال قام القوم إلاّ زيد على البدل، ولا يضرب القوم إلاّ زيد على البدل، لأن البدل لا يكون إلاّ حيث يكون العامل يتسلط عليه، ولو قلت قام إلاّ زيد، وليضرب إلاّ عمر ولم يجز.
ولو قلت في غير القران أخرج الناس من ديارهم إلاّ بأن يقولوا لا إله إلاّ الله لم يكن كلامًا هذا إذا تخيل أن يكون {إلاّ أن يقولوا} في موضع جر بدلًا من غير المضاف إلى {حق} وإما أن يكون بدلًا من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه يلزم منه أن يكون البدل يلي غيرًا فيصير التركيب بغير {إلاّ أن يقولوا} وهذا لا يصح، ولو قدرت {إلاّ} بغير كما يقدر في النفي في ما مررت بأحد إلاّ زيد فتجعله بدلًا لم يصح، لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم {ربنا الله} فتكون قد أضفت غيرًا إلى غير وهي هي فصار بغير غير، ويصح في ما مررت بأحد إلاّ زيد أن تقول: ما مررت بغير زيد، ثم إن الزمخشري حين مثل البدل قدره بغير موجب سوى التوحيد، وهذا تمثيل للصفة جعل إلاّ بمعنى سوى، ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل، ويجوز أن تقول: مررت بالقوم إلاّ زيد على الصفة لا على البدل.
{ولولا دفع الله الناس} الآية فيها تحريض على القتال المأذون فيه قبل، وأنه تعالى أجرى العادة بذلك في الأمم الماضية بأن ينتظم به الأمر وتقوم الشرائع وتصان المتعبدات من الهدم وأهلها من القتل والشتات، وكأنه لما قال: {أذن للذين يقاتلون} قيل: فليقاتل المؤمنون، فلولا القتال لتغلب على الحق في كل أمة وانظر إلى مجيء قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} لفسدت الأرض إثر قتال طالوت لجالوت، وقتل داود جالوت.
وأخبر تعالى أنه لولا ذلك الدفع فسدت الأرض فكذلك هنا.
وقال علي بن أبي طالب: ولولا دفع الله بأصحاب محمد الكفار عن التابعين فمن بعدهم، وأخذ الزمخشري قول على وحسنه وذيل عليه فقال: دفع الله بعض الناس ببعض إظهاره وتسليط المؤمنين منهم على الكافرين بالمجاهدة، ولولا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعًا ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود صلوات، ولا للمسلمين مساجد، ولغلب المشركون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم، وهدموا متعبدات الفريقين انتهى.
وقال مجاهد: {ولولا دفع الله} ظلم قوم بشهادات العدول ونحو هذا.
وقال قوم. ظلم الظلمة بعدل الولاة.
وقالت فرقة. العذاب بدعاء الأخيار.
وقال قطرب: بالقصاص عن النفوس.
وقيل: بالنبيين عن المؤمنين.
وقال الحسن: لولا أمان الإسلام لخربت متعبدات أهل الذمة، ومعنى الدفع بالقتال أليق بالآية وأمكن في دفع الفساد.
وقرأ الحرميان وأيوب وقتادة وطلحة وزائدة عن الأعمش والزعفراني {فهدمت} مخففًا وباقي السبعة وجماعة مشددة لما كانت المواضع كثيرة ناسب مجيء التضعيف لكثرة المواضع فتكرر الهدم لتكثيرها.
وقرأ الجمهور {وصلوات} جمع صلاة. وقرأ جعفر بن محمد {وصُلوات} بضم الصاد واللام.
وحكى عنه ابن خالويه {صلوات} بسكون اللام وكسر الصاد، وحكيت عن الجحدري والجحدري {صلوات} بضم الصاد وفتح اللام، وحكيت عن الكلبي وأبي العالية بفتح الصاد وسكون اللام {صلوات} والحجاج بن يوسف والجحدري أيضًا وصلوات وهي مساجد النصارى بضمتين من غير ألف ومجاهد كذلك إلا أنه بفتح التاء وألف بعدها والضحاك والكلبي وصلوث بضمتين من غير ألف وبثاء منقوطة بثلاث، وجاء كذلك عن أبي رجاء والجحدري وأبي العالية ومجاهد كذلك إلاّ أنه بعد الثاء ألف.
وقرأ عكرمة: وصلويثا بكسر الصاد وإسكان اللام وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء منقوطة بثلاث بعدها ألف، والجحدري أيضًا {صَلوات} بضم الصاد وسكون اللام وواو مفتوحة بعدها ألف بعدها ثاء مثلثة النقط.
وحكى ابن مجاهد أنه قرئ كذلك إلا أنه بكسر الصاد.
وحكى ابن خالويه وابن عطية عن الحجاج والجحدري صلوب بالباء بواحدة على وزن كعوب جمع صليب كظريف وظروف، وأسينة وأسون وهو جمع شاذ أعني جمع فعيل على فعول فهذه ثلاثة عشرة قراءة والتي بالثاء المثلثة النقط.
قيل: هي مساجد اليهود هي بالسريانية مما دخل في كلام العرب.
وقيل: عبرانية وينبغي أن تكون قراءة الجمهور يراد بها الصلوات المعهودة في الملل، وأما غيرها مما تلاعبت فيه العرب بتحريف وتغيير فينظر ما مدلوله في اللسان الذي نقل منه فيفسر به.
وروى هارون عن أبي عمرو {صلوات} كقراءة الجماعة إلاّ أنه لا ينون التاء كأنه جعله اسم موضع كالمواضع التي قبله، وكأنه علم فمنعه الصرف للعلمية والعجمة وكملت القراءات بهذه أربع عشرة قراءة والأظهر في تعداد هذه المواضع أن ذلك بحسب معتقدات الأمم فالصوامع للرهبان.
وقيل: للصابئين، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين وقاله خصيف.
قال ابن عطية: والأظهر أنه قصد بها المبالغة في ذكر المتعبدات، وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها إلاّ البيعة فإنها مختصة بالنصارى في عرف لغة ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لهم كتاب على قديم الدهر، ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك لأنّ هؤلاء ليس لهم ما يَوجب حمايته ولا يوجد ذكر الله إلاّ عند أهل الشرائع انتهى.
والظاهر عود الضمير في قوله: {يذكر فيها} على المواضع كلها جميعها وقاله الكلبي ومقاتل، فيكون {يذكر} صفة للمساجد وإذا حملنا الصلوات على الأفعال التي يصليها أهل الشرائع كان ذلك إما على حذف مضاف أي ومواضع صلوات وإما على تضمين {لهدمت} معنى عطلت فصار التعطيل قدرًا مشتركًا بين المواضع والأفعال، وتأخير المساجد إما لأجل قدم تلك وحدوث هذه، وإما لانتقال من شريف إلى أشرف.
وأقسم تعالى على أنه تنصر من ينصر أي ينصر دينه وأولياءه، ونصره تعالى هو أن يظفر أولياءه بأعدائهم جلادًا وجدالًا وفي ذلك حض على القتال.
ثم أخبر تعالى أنه قوي على نصرهم {عزيز} لا يغالب.
والظاهر أنه يجوز في إعراب {الذين إن مكناهم في الأرض} ما جاز في إعراب {الذين أخرجوا} وقال الزجاج: هو منصوب بدل ممن ينصره، والتمكين السلطنة ونفاذ الأمر على الخلق، والظاهر أنه من وصف المأذون لهم في القتال وهم المهاجرون، وفيه إخبار بالغيب عما يكون عليه سيرتهم إن مكن لهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين.
وعن عثمان رضي الله عنه: هذا والله ثناء قبل بلاء، يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا، وقالوا: فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله تعالى لم يجعل التمكن ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة لغيرهم من المهاجرين لا حظ في ذلك للأنصار والطلقاء.
وفي الآية أخذ العهد على من مكنه الله أن يفعل ما رتب على التمكين في الآية.
وقيل: نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن الحسن وأبي العالية: هم أمّته عليه السلام.
وعن عكرمة: هم أهل الصلوات الخمس، وهو قريب مما قبله.
وقال ابن أبي نجيح: هم الولاة.
وقال الضحاك: هو شرط شرطه الله من آناه الملك.
وقال ابن عباس: المهاجرون والأنصار والتابعون {ولله عاقبة الأمور} توعد للمخالف ما ترتب على التمكين. اهـ.